جورج والأشبال الذين صاروا .. قادة.

جورج والأشبال الذين صاروا .. قادة.
مروان عبد العال

الثلاثاء 29 يوليو 2025 | 09:36 م

كان للقاء مع الرفيق جورج إبراهيم عبد الله وقعٌ خاص، كما لو أن الزمن انكمش 41 عاماً ، ليُعيد إلينا دفء المخيم ووهج الثورة ونبض الجبهة، بكل ما حملته من شقاءٍ وأحلام. جلسنا أمامه لا كمن يستمع إلى سجين، بل كمن يصغي إلى ذاكرةٍ مشتعلة بزمن جميل ، إلى من تبقّى لنا من زمن كان فيه لليسار لونٌ واضح لا تختلط فيه الألوان.

يرتب على أكتافنا ويقبض على سواعدنا، كمن يطمئن على الزرع بعد مواسم الجفاف. عيونه تلمع بفرحٍ خافت، فيه من الأبوة الثورية بقدر ما فيه من الرفاقية الصلبة. وان الأشبال صاروا… رجالاً .. قادة ، رددها اكثر من مرة، لا، بل أكثر من ذلك؛ صاروا امتداداً للصوت الذي لم يخفت، وللبندقية التي لم تُلقَ، وللحلم الذي لم يُدفن تحت ركام الهزائم.

كلماته كانت كمن يلتقطها من قلب الجمر، من تلك الليالي الطويلة في زنازين الظلم ، ومن لحظات الفرح القليل التي اقتنصها بين رفاقه، في لقاء عاجل، اللقاء الاول خلف الجدران. لكن حديثه لم يكن عن السجن بقدر ما كان عن الوفاء. وفاءٌ للرفاق الذين ذكروا بالاسم ، وللجبهة، للمخيم، للثورة، لفلسطين، ولليسار المأمول والذي بحجم المسؤولية.

أعاد إلينا ملامح الزمن الأجمل حين كان المخيم موئل الحلم وميدان التمرّد، لا خيمة انتظار. حين كان الشهيد يُشيَّع بعزّة، لا بوجع مهزوم. تحدّث عن الرفاق الذين عبروا دروب الفداء من مخيم نهر البارد ، حيث كانت البداية الى بيروت إلى الجنوب، وعن الذين لم تُكتب لهم السجون لكن كتبتهم الثورة على جدران التاريخ.

وفي عينيه، لم يكن الحنين هو ما يلمع، بل التصميم، الإيمان بأن شيئاً مما بدأناه لم ينتهِ، وأن “الحرية” ليست شعاراً، بل نَفَسُ حياةٍ كاملة.

كان لقاؤه موعداً مع ما تبقّى فينا من صلابة، كان يُصغي إلينا كما يُصغي المقاوم إلى نشيدٍ يعرفه عن ظهر قلب. لم ينكسر صوته ولا مرة، لكنه رقّ حين رأى فينا ملامح الرفاق الذين رحلوا، والذين لم يخذلوه يوماً، وإنْ خانه الزمن ، تذكيراً بأننا لسنا أيتام القضية، ما دمنا نملك هذا الصوت الذي لا يلين، وهذه الروح التي لم تُهزم.

Leave a Reply