صاحب مقولة “تحرير فلسطين ممكن و”ما بيصح إلا الصحيح”
الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني في ذمة الله
توفي الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني اليوم السبت عن عمر ناهز 69 عاما وهو نجل الفنانة فيروز والملحن عاصي الرحباني، أحد مؤسسي مدرسة الأخوين رحباني في الموسيقى والمسرح. رحل زياد بعد مسيرة فنية استثنائية امتدت لنحو خمسة عقود، شكّل خلالها أحد أبرز الأصوات في الثقافة والموسيقى والمسرح العربي وإسهاماته الداعمة لفلسطين وجنوب لبنان محفوظة في الذاكرة. ونتاجه الفني يعكس تاريخياً مواقفه الشفافة والثابتة الداعمة للحق الفلسطيني وأصحابه، في مهب الرياح الهوجاء الباطلة التي تعصف بأهل الأرض والقضية.
في أحد الحوارات المصوّرة معه قال زياد الرحباني إن: “الفلسطينيين هم الأساس وهم الذين سيحرّرون فلسطين. مهما فعلنا في جنوب لبنان وبيروت وسوريا فإن الفلسطينيين هم الذين يصمدون بصبر يفوق التصوّر”.
وأضاف أن: “تحرير فلسطين ممكن و”ما بيصح إلا الصحيح” (على حد تعبيره)، حتى ولو استغرق الأمر وقتاً طويلاً جداً فهذه الأمور تحدث على غرار ما حدث في فيتنام
***
سلك زياد خطاً فنياً وفكرياً خاصاً، تميّز بالنقد السياسي والاجتماعي اللاذع وبرزفي سن مبكرة، حين كتب ولحن مسرحية “سهرية” (1973) وهو في السابعة عشرة من عمره، قبل أن يحقق حضوراً جماهيرياً واسعاً من خلال أعمال مثل “نزل السرور” (1974)، و”بالنسبة لبكرا شو؟” (1978)، و”فيلم أميركي طويل” (1980)، و”شي فاشل” (1983)، و”بخصوص الكرامة والشعب العنيد” (1993)، و”لولا فسحة الأمل” (1994)، والتي حوّلت المسرح اللبناني إلى منبر سياسي واجتماعي يعكس واقع ما بعد الحرب الأهلية وتفكك الدولة.
وكان زياد قد بدأ مسيرته الفنية مبكرًا، وبرز اسمه في السابعة عشرة من عمره عندما قام بتلحين أغنية “سألوني الناس” التي أدّتها والدته فيروز عام 1973، إثر تعرض والده لوعكة صحية منعته من متابعة العمل. في العام نفسه، كتب وأخرج أولى مسرحياته بعنوان “سهرية”، وشكّلت انطلاقة مشروعه المسرحي الذي تميز بلغة مباشرة ونقد سياسي واجتماعي واضح.
قبل فترة زمنية ليست بعيدة أضاءت “الميادين الثقافية” على عدد من الإسهامات الفنية لصاحب “لولا فسحة الأمل” التي رفد من خلالها “سيدة الأرض” فلسطين وأهل جنوب لبنان الصامدين والمقاومين.
***
في العام 1977 أطلق الفنان اللبناني خالد الهبر أغنية “أحمد الزعتر” من شعر محمود درويش، وهي غنائية ملحمية من توزيع زياد الرحباني، وقد سجّلت القصيدة المغناة آنذاك على “كاسيت” كتب عليه أن القيادة أيضاً كانت لزياد الرحباني، فيما الغناء لخالد الهبر و”كورس الميادين”.
هذا “الكاسيت” لم يعد موجوداً في الأسواق اللبنانية والعربية ويعد في أيامنا هذه عملاً فنياً نادراً. وزّع زياد الرحباني أيضاً “مديح الظل العالي” الغنائية الملحمية التي غناها خالد الهبر وهي من أشعار درويش وألحان الهبر، علماً بأن التنفيذ الموسيقي كان لأوركسترا أثينا – اليونان في العام 1987. هذان العملان مميزان وهما ممهوران بعلامة فارقة ويبقيان للتاريخ رغم صعوبة التحصّل عليهما لاقتنائهما حالياً.
وفي العام 1982 وضع زياد الرحباني موسيقى فيلم “عائد إلى حيفا” للمخرج العراقي قاسم حول (1940) عن رواية الأديب والروائي الفلسطيني غسان كنفاني بالعنوان نفسه.
وفيلم “عائد إلى حيفا” موضوعه عن حيفا التي تكون قد سقطت في ربيع العام 1948 تحت ضربات الاحتلال الصهيوني، واقتحمتها عصابات المستوطنين الصهاينة. شاءت الظروف آنذاك أن تترك صفية رضيعها خلدون في البيت، وفشلت في استعادته. بعد نحو 20 سنة، في العام 1967، بعيد النكسة الحزيرانية، صار من الممكن لصفية اللاجئة في الضفة الغربية أن تزور البيت الذي هجّرت منه. هناك وجدت أنّ خلدون قد أصبح مجنّداً في الجيش الصهيوني وصار اسمه دوف.. أسئلة مثيرة حاكها كنفاني بمهارة، وهو الذي يعد أحد رموز المقاومة الثقافية الفلسطينية… في الفيلم ثمة اقتداء وأمانة للنص الروائي وثمة تخفّف من التعديلات.
كذلك ثمة أغنية محفورة في ذاكرة ووجدان عشاق زياد الرحباني الأوفياء “خلصوا الأغاني”، علماً بأن كلماتها معبّرة ومؤثّرة ومختلفة عن كل ما كتب في الأغاني الأخرى التي تمحورت حول جنوب لبنان: “خلصوا الأغاني هني ويغنوا ع الجنوب/ خلصوا القصايد هني ويصفوا ع الجنوب/ ولا الشهدا قلوا، ولا الشهدا زادوا/ وإذا واقف جنوب واقف بولادو/ خلصوا القضايا هني ويردوها ع الجنوب/ كسروا المنابر هني ويعدوا ع الجنوب/ اللي عم يحكوا اليوم هاو غير اللي ماتوا/ المعتر بكل الأرض دايماً هوي ذاتو”.
يحسب لزياد الرحباني أنه حض والدته “جارة القمر”، السيدة فيروز، في ما بعد على غنائها (ألبوم “فيروز في بيت الدين 2000”) وقد رافقها عزفاً على البيانو، وذلك بعدما غناها سامي حواط في منتصف ثمانينيات القرن الماضي لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.
ولاقت الأغنية أصداءً واسعة في ظل الحرب الأهلية اللبنانية في شريط “أنا مش كافر”، الذي أبرز التماعات زياد الإبداعية في التأليف الموسيقي وكتابة الكلمات التي التحفت بأبعاد طبقية ووطنية واضحة.
وهناك مقطوعة تختزن شحنات موسيقية تعبيرية ودرامية هائلة بعنوان “تل الزعتر” لزياد الرحباني، اندرجت في ألبوم “إيه في أمل” لفيروز في العام 2010، علماً بأن زياد قد ألّف موسيقى “تل الزعتر” بعدما شاهد من منزله المذبحة التي تعرّض لها مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين شرقي بيروت في العام 1976 خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
في المقابل، هناك أغنية كتبها ولحنها زياد الرحباني بعنوان “صمدوا وغلبوا” أهداها إلى أهل الجنوب وغزة: “تجار المال هربوا/ وحرس السلطان انسحبوا/ بقيوا جماعة بسطا وطيبين/ على نياتن صمدوا وغلبوا/ أصلاً هاو ناس ما عاد في شي يخسروه/ جنى عمرن كلو طياراتن دمروه/ حفظوا العدوان عسيوا عا غدرو وغضبو/ لوما هالناس ما كان في وطن ولا بلاد/ ولادن ماتوا حتى يبقى عنا ولاد/ زهر يا شوك غطيهن وين ما قلبوا”. تجدر الإشارة إلى أن الأغنية انتشرت أيضاً بصوت الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم بنا.
* ابراهيم عبدالله الحسيني
نابلس : فلسطين المحتلة
