عنوان المقال
مقدمة
تعيش القضية الفلسطينية واحدة من أعقد محطاتها التاريخية، ليس فقط بسبب تصاعد العدوان الصهيوني وعمق المأساة الإنسانية في غزة والضفة، بل بسبب الانقسامات الداخلية التي تغذيها قوى إقليمية ودولية هدفها الأول تقويض وحدة الفلسطينيين وتشويه رموز المقاومة. ومن المؤسف أن نجد بعض الأصوات في الداخل الفلسطيني وقد وقعت – بقصد أو دون قصد – في فخ شيطنة المقاومة واتهامها بأنها “صناعة إيرانية” أو “أداة خارجية”، متجاهلين حقيقة النضال الفلسطيني العريق وتضحياته الممتدة عبر العقود.
أولًا: تفكيك خطاب التخوين والاتهام
من الظواهر الخطيرة التي باتت تهدد المشروع الوطني الفلسطيني هو تصاعد الخطاب الاتهامي في الداخل، الذي يُخون المقاومين أو يشكك في ولائهم، لا لشيء سوى لأنهم يرفعون بندقية الدفاع عن الشعب. بات المقاوم يُتهم بأنه “أداة” لا لأنه يقتل الأبرياء، بل لأنه يواجه الاحتلال، وكأن العدو الحقيقي أصبح البندقية لا الاحتلال ذاته.
إن هذه الاتهامات لا تنطلق من قراءة سياسية نزيهة، بل من بيئة مشبوهة تُعيد إنتاج سرديات الاحتلال، الذي طالما سعى لشيطنة المقاومة ونزع الشرعية عنها، خاصة حين تفشل أدواته العسكرية في إخمادها.
ثانيًا: المقاومة الفلسطينية ليست استيرادًا خارجيًا
صحيح أن بعض فصائل المقاومة تتلقى دعماً إقليميًا من إيران أو غيرها، وهذا لا يمكن إنكاره، لكنه لا يعني بأي حال من الأحوال أنها “تابعة” أو “مرتهنة”. فالمقاومة الفلسطينية لها جذورها الوطنية، وهي وليدة بيئة ظلم وقهر واحتلال، لا يمكن لأي دعم خارجي أن يصنعها من لا شيء.
ثم إننا نسأل: من البديل؟ هل نُدين من يقف مع الفلسطيني ويمدّه بالسلاح؟ بينما يهرول آخرون للتطبيع والاحتضان الأمني مع الاحتلال؟ هل أصبحت “البراغماتية” هي معيار الوطنية، وأما من يقاوم فيُتّهم بالعمالة؟
ثالثًا: مخاطر الفتنة وأجندة الاحتلال
إن الانقسام الفلسطيني ـ الذي بلغ حد تبادل الاتهامات العلنية بين أبناء الصف الوطني ـ يمثل مكسبًا استراتيجيًا للعدو الصهيوني، الذي طالما استثمر في الانقسام الداخلي أكثر من استثماره في ترسانته العسكرية. فحين ينشغل الفلسطينيون بتخوين بعضهم، يُعفى الاحتلال من المساءلة الأخلاقية والإنسانية، ويُعطى مبررًا للمزيد من الجرائم تحت ستار “الرد على الإرهاب”.
ولهذا فإن من يُسهم في نشر هذه الفوضى الإعلامية والفكرية، ولو بحسن نية، إنما يخدم مشروعًا معاديًا يُهدد حاضر فلسطين ومستقبلها.
رابعًا: نحو ميثاق وطني جامع يحترم التعدد ويُوحد الجبهة
آن الأوان لإعادة بناء خطاب فلسطيني جامع، لا يُقصي أحدًا، ولا يُشيطن طرفًا، بل يُعيد الاعتبار للمقاومة بوصفها حقًا مشروعًا، ويُفكك في الوقت ذاته ثقافة الولاءات الإقليمية التي تُستغل لتبرير الانقسام.
إن الاختلاف السياسي يجب ألا يتحول إلى عداء داخلي، بل يكون دافعًا لصياغة رؤية وطنية موحدة تقاوم الاحتلال وتُحافظ على كرامة الدم الفلسطيني.
خاتمة
نحن في لحظة تاريخية تتطلب شجاعة فكرية، ومسؤولية وطنية، ووعيًا بأن الصراع الحقيقي ليس بين “ضفّاوي” و”غزّاوي”، ولا بين “فتحاوي” و”حمساوي”، بل بين شعب يُقاوم الاحتلال، واحتلال يُريد سرقة كل شيء: الأرض، والمقدسات، والذاكرة، وحتى الوعي.
وحدها الوحدة، ووحدها البوصلة الوطنية، كفيلة بأن تُسكت الضجيج وتُعيد للفلسطينيين صوتهم الحقيقي: صوت المقاومة والكرامة.✌🇩🇿♥🇵🇸✌
بقلم:✍️ مراد أبو محمد
– S.M.