اللواء خالد جبريل – أبو العمرين
العنوان: “سوريا.. عندما تتحول الحرب الأهلية إلى نهاية العالم و ساحة انتقام طائفي” انه *الشتاء العربي *
كم كان مؤلماً و موحياً لمستقبل أسود ينتظر سورية التي ضمتني و أحببتها..
وقف ذلك الرجل الدرزي المسن يرتجف أمام بيته المحترق في جبل العرب، يُجْهَر عليه بالسؤال: *”من وين؟”*، فيجيب بصوتٍ مرتجف: أنا سوري يا أخي، لكنهم يصرخون في وجهه: لا.. من أي طائفة؟!. هو يعرف أن الإجابة قد تكون حكم إعدام، لكنه لا يملك خياراً سوى الصدق: *”أنا درزي و لكني سوري يا أخي” فينطلق رصاص القتل العبثي، ليسقط جثة هامدة و آخر كلماته *يا أخي* و يا ليتهم فهموا معناها..على تراب وطنه الذي لم يعد يعرف معنى “الوطن”.
هذا المشهد ليس وحيداً، بل هو جزء من فصول مأساة إنسانية تُختصر بها الحرب الأهلية السورية: قتلٌ باسم الهوية، ودمارٌ بلا هوية، وشتاتٌ بلا نهاية، بل يتكرر يومياً في سوريا التي مزقتها الحرب الأهلية . هنا السني يُقتل لأنه سني، وهناك الدرزي يُذبح لأنه درزي، والشيعة تُحرق بيوتهم لأنهم شيعة ، والمسيحي يُهجر لأنه مسيحي . لقد تحولت سوريا إلى مسرح مفتوح للانتقام الطائفي، حيث لم يعد القتل دفاعاً عن حق، بل أصبح وسيلة لإثبات الهوية بالدم.
مئات الآلاف من القتلى (وفقاً لتقارير BBC News)، بينهم أطفالٌ لم يعرفوا من الحياة سوى صوت القذائف.
– نزوح نصف الشعب السوري ، حيث تحولت المخيمات إلى “وطن بديل” للملايين ، بينما تتهاوى قيم التعايش تحت وطأة الانقسام الطائفي.
– انهيار النظام الصحي، فالأوبئة تُنهك الجسد السوري، كما يُنهكه الرصاص.
– انتهاكات حقوق الإنسان أصبحت “لغة مشتركة” بين جميع الأطراف: من تعذيب واختفاء قسري إلى تجنيد الأطفال.
“لم يعد السوريون يخشون الموت، بل يخشون أن يموتوا بلا قبر يُذكر اسمهم عليه” .
تحولت سوريا من دولةٍ إلى أشلاء..
ـ بنية تحتية مدمرة بالكامل، مدارسُ أصبحت مقابر ، ومستشفياتُ تحولت إلى ركام ..
– اقتصادٌ منكوب ، خسائر تُقدر بـأكثر من 800 مليار دولار(حسب ReliefWeb)، وطبقة وسطى اختفت لتحل محلها “اقتصادات الميليشيات”.
– بطالةٌ تجاوزت 80%، حيث فقد الشباب مستقبلهم بينما فقدت سوريا جيلها القادم.
عندما تتحول الطوائف إلى جزر منعزلة و انقسامات هوياتي عميقة فلم تعد سوريا “سلة خبز العرب”، بل سلةُ نزاعاتٍ طائفية وعرقية.
– جيلٌ كامل تربى على العنف، ففقد الأمل، وبات وقوداً للتطرف أو الهجرة.
– من تعايشٍ تاريخي إلى ثقافة انتقامية تُقدس “الأنا” وتُكفر “الآخر”.
أصبحت سوريا.. ساحة حرب بالوكالة، تشظي المعارضة إلى فصائل متناحرة ، وتحول”الثورة” إلى سلعةٍ في سوق المصالح الدولية.
– تدخلات إقليمية ودولية حوّلت الأرض السورية إلى رقعة شطرنج: إيران، تركيا، روسيا، أمريكا… كلٌ يحرك جنوده فوق جثث السوريين التي اصبحت عملة صرف . وفقدت سورية السيادة ، فلم تعد دمشق تقرر مصيرها ، بل صارت أراضيها “مستأجرة” لقوى خارجية. و تحولت الحرب إلى صراع هوياتي طائفي، حيث لم يعد العدو هو “النظام” أو “المعارضة”، بل صار العدو هو “الآخر” المختلف في المذهب أو الدين. لقد أعادت سوريا عقارب الزمن إلى الوراء، حيث المجازر الطائفية التي شهدتها لبنان والعراق، بل وأصبحت نموذجاً لـ”الشتاء العربي” الذي يهدد بإعادة رسم خريطة المنطقة بالدم…
اليوم، لم يعد هناك “ثورة” أو “حرية”، بل هناك غابة من البنادق، حيث الأقوى يأكل الضعيف، والأكثر وحدةً يذبح الأقل عدداً. لقد خسر السوريون وطنهم، وخسر العرب إنسانيتهم…
هذا هو *الشتاء العربي*..
الحرب السورية لم تعد “أزمة محلية”، بل أصبحت نموذجاً للفوضى التي تنتظر العالم العربي إذا استمرت النزاعات الطائفية والتدخلات الخارجية.
السؤال الآن: هل يمكن إيقاف هذا السقوط في الهاوية؟ الجواب صعب، لكنه يبدأ بالاعتراف بأن الطائفية هي السم الذي يقتل المستقبل. لن تنجو سوريا، ولن تنجو المنطقة، إلا إذا توقفنا عن النظر إلى بعضنا كأعداء بسبب هوياتنا المذهبية. اليوم، نحن أمام خيارين:
– إما الاستمرار في الانتحار الجماعي، حيث تُحلَّف الهويات فوق الوطن .
– أو إعادة تعريف “السوري” ليس بانتمائه الطائفي، بل بإنسانيته .
لقد آن الأوان لأن ندرك أن “الوطن” لا يُبنى على جماجم الأبرياء، وأن الحرية لا تتحقق بقتل المختلف. آن الأوان لأن نتذكر أننا كنا يوماً نعيش معاً ، ونموت معاً ، ونحلم معاً…
> “الوطن لا يُبنى بدماء الأبرياء، بل بإرادة الأحياء”.
خالد جبريل – أبو العمرين