سايكس-بيكو.. قرن من الاضطراب: إعادة رسم الخرائط هو الحل
بعد مرور أكثر من قرن على اتفاقية سايكس-بيكو، لا يزال الشرق الأوسط يعاني من تبعات هذا الاتفاق الاستعماري الذي قسم المنطقة وفق مصالح القوى العظمى آنذاك، متجاهلاً تماماً التركيبة الديموغرافية والعرقية والثقافية للشعوب. بدلاً من السلام الموعود، خلّفت سايكس-بيكو إرثاً من الصراعات والانقسامات والحدود المصطنعة التي لا تعكس الواقع على الأرض، مما أدى إلى تأجيج التوترات وعدم الاستقرار في المنطقة.
شهدت العقود الماضية سلسلة من الحروب والانتفاضات والثورات في دول المنطقة، كثيرة منها مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بتداعيات هذا الاتفاق. فالتقسيم التعسفي للحدود خلق كيانات هشة تعاني من انقسامات داخلية عميقة، أدى إلى تهميش بعض الأقليات وحرمانها من حقوقها الأساسية، مما ولّد بيئة خصبة للتطرف والعنف.
من العراق إلى سوريا فلبنان، ومن فلسطين إلى اليمن، تتجلى آثار هذا الاتفاق في الصراعات الدائرة والأزمات الإنسانية المتفاقمة. ففي العراق، ولا يزال شبح الطائفية يهدد وحدة البلاد، بينما تشهد سوريا حرباً أهلية مدمرة أدت إلى نزوح الملايين وصولاً إلى لبنان الذي يعاني عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الدائم، أما القضية الفلسطينية، فتبقى شاهداً حياً على ظلم التقسيم وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير.
وفي ظل هذا الواقع المضطرب، أصبحت من مؤيدي إعادة النظر في الحدود الموروثة عن سايكس-بيكو كحل محتمل لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وأرى أن تعديل الخرائط المصطنعة ليس خطأً في حد ذاته، بل قد يكون ضرورياً لتصحيح أخطاء الماضي وبناء مستقبل أكثر عدلاً واستدامة. فإعادة رسم الحدود على أسس عادلة تراعي التركيبة الديموغرافية والحقوق الثقافية والسياسية للشعوب، قد يساهم في تخفيف التوترات وحل بعض الصراعات المزمنة.
مع ذلك، يجب أن يتم أي تعديل للحدود بصورة سلمية وتوافقية، من خلال حوار شامل يضم جميع الأطراف المعنية، بعيداً عن أي تدخل خارجي أو فرض إرادة قوى خارجية. فالتسرع في إعادة رسم الخرائط دون دراسة متأنية ومراعاة للمصالح ولمخاوف الجميع، قد يؤدي إلى نتائج عكسية وتفاقم الأوضاع في المنطقة.
إن مستقبل الشرق الأوسط رهين بقدرة شعوبه على تجاوز إرث هذا الاتفاق وبناء نظام إقليمي جديد قائم على العدالة والاحترام المتبادل وحق تقرير المصير. ولا شك أن الحوار والتعاون الإقليمي هما السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف الطموح. فإعادة رسم الخرائط قد يكون جزءاً من الحل، ولكنه ليس الحل بذاته. فالحل الأكيد والمستدام يكمن في معالجة الأسباب الجذرية للصراعات وبناء ثقافة السلام والتسامح بين شعوب المنطقة.
باسم المصري