العنوان:
خيانة العروبة: سطور في وجوه الحكام العملاء وظهر غزة النازف
بقلم: محمد خالد منصور
ما أقسى أن تُغرس الخناجر في الظهر، وما أشد مرارة الطعن إذا أتى من أبناء اللغة والدين والدم. هذا حال غزة، الجرح النازف في خاصرة الأمة، وحال العرب، الذين ما بين متآمر وصامت، وما بين خائن ومتواطئ، باعوا الأرض والمبدأ، وتاجروا بالدم، وسكتوا عن الذبح، بل شاركوا فيه.
غزة، تلك البقعة الصغيرة التي دوّخت العالم، والتي صمدت بصدور أبنائها العارية أمام طائرات وصواريخ وكيان مدجج بالعدوان، لم يُخذلها عدوها بقدر ما خذلها ذوو القربى. حكامٌ عرب خانوا فلسطين من قبل، واليوم يغرسون خناجرهم ذاتها في قلب غزة. حصار، إغلاق معابر، منع دواء، تضييق على كل يد تمتد بالمساعدة، ثم بعد كل هذا يقفون على المنابر يتحدثون عن “دعم القضية” بوجوه لم تعرف الحياء، وبكلمات تُغطّيها رائحة النفاق.
أي قضية؟
قضية من؟
غزة لم تكن يومًا على قائمة أولوياتكم. لم تكن يومًا إلا ورقة تفاوض في موائد الذلّ التي تجلسون إليها بجانب جلاديها. غزة استصرختكم، طلبت النصرة، طلبت ولو صرخة حق، ولو موقفًا بسيطًا، لكنكم أبيتم إلا الخيانة.
وقد عبّر أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، عن الحقيقة التي يعرفها الجميع، حين قال مؤخرًا:
“حكام العرب لم يكتفوا بالصمت، بل تحوّل بعضهم إلى سكاكين في خاصرتنا… خانوا دماء أطفالنا، وحاصروا مقاومتنا، وتآمروا على شعبنا، ثم تظاهروا بأنهم وسطاء!”
وهل هناك وصف أبلغ من هذا؟ لم يكونوا وسطاء، بل كانوا خناجر مغمّسة بالخيانة تُسلّم من يدٍ لأخرى فوق جثث أبناء غزة. حكّام ما بين مرتعش ومتواطئ، تخلّوا عن فلسطين، وادّعوا الحياد، وهم في الحقيقة غارقون حتى آذانهم في التآمر.
قال الله تعالى: “وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ” (الأنفال: 72)،
فهل نصرتموها؟ لا والله، بل خذلتم، وصمّتم، وانحنيتم. نصرتم الاحتلال بالسكوت، وساندتم العدوان بالتطبيع، وجعلتم دماء أطفال غزة أرخص من مؤتمراتكم الفارغة.
قال رسول الله ﷺ: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه” (رواه البخاري)،
وأنتم ظلمتم، وأسلمتم، وشاركتم في خنق غزة من الشرق والغرب، من البحر إلى المعبر، حتى صارت دماء أهلها محاصرة بجنود العدو وأقفال الأشقاء.
وأنتم، يا حكام العار، لا عزّ لكم ولا مجد. ما أنتم إلا عبيدٌ لعروش خاوية، تخافون من كلمة حق، وترتعد ألسنتكم من مجرد إدانة، لأن سيوفكم لا ترفع إلا على شعوبكم، وجيوشكم لا تتحرك إلا لحماية قصوركم، أما فلسطين؟ فمكانها عندكم في الخطب فقط، لا في الواقع، لا في القرار.
قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلّنا الله.”
وها أنتم ذليلون، منهزمون، جبناء، لا يهابكم عدو، ولا يثق بكم صديق، ولا تحترمكم شعوبكم، لأنكم لم تحترموا تاريخكم، ولا دماء أمتكم.
أنتم اليوم عار على العروبة، وعار على الدين، وعار على الرجولة. صمتكم خيانة، وخوفكم جريمة، وتواطؤكم خنجر في قلب كل طفل في غزة، في صدر كل أم ثكلى، في جسد كل شهيد صعدت روحه إلى السماء تطلب القصاص.
غزة لا تحتاج إليكم، ولن تنحني من أجلكم، غزة تعرف أنكم خونة، وتعرف أن الأمل ليس في من باع مرّات ومرّات، الأمل في من ثبت وقاتل، في من جاع وصبر، في من رفع الحجر بوجه الدبابة، وواجه النار بصدره العاري.
أقولها بوضوح، وبدون تجميل:
أنتم خونة، جبناء، عملاء، أغلقتم القلوب قبل الحدود، ومنعتم النصرة كما تمنعون الهواء، وستسألكم الأمة، بل سيسألكم رب العالمين عن صمتكم، عن تواطئكم، عن خبثكم.
وغدًا، حين يُكتب التاريخ، سيتجاوز أسماءكم، لأن من يبيع كرامته لا يستحق أن يُذكر.
لكن اسم “غزة” سيُكتب بأحرف من نار، لا لأنها احترقت… بل لأنها أحرقت جبنكم وخيانتكم.
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
بقلم: محمد خالد منصور