تأسيس منظمة التحريرالفلسطينية
د. غازي حسين
اعتقدت بعض الأوساط الفلسطينية والعربية أنَّ تأسيس منظمة التحريركان مدخلاً لإعفاء بعض الحكومات العربية من مسؤولياتها الوطنية والقومية والدينية والإنسانية تجاه قضية فلسطين، واعتقدت أوساط أخرى أنَّ منظمة التحريرتجسِّد الوعي الفلسطيني والعربي بأهميَّة العامل الفلسطيني كطليعة منْ أجل التحرير وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وتحريرالقدس .
وأصبحت المنظمة فلسطينياً وعربياً الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني ونضاله الوطني وعلى رأسها حق العودة واستعادة اللاجئين لأراضيهم وممتلكاتهم وحقوقهم المغتصبة.
تأثَّرميثاق منظمة التحريربالمفاهيم القومية التي كانت سائدة آنذاك وبشكل خاص بالموقف القومي للرئيس جمال عبد الناصروحزب البعث وحركة القوميين العرب لذلك لم يبرزفي الميثاق القومي التفريق بين الوطني والقومي كما لم يبرز فيه أيضاً البعد الإسلامي للقضية.
تضمَّن الميثاق توجُّهات الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية في تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة وفكرالمؤسس أحمد الشقيري.. وتوجُّهات القائد العربي جمال عبد الناصرلذلك. وضع الميثاق مسؤولية تحريرفلسطين على عاتق الأمة العربية شريطة أن يكون الشعب العربي الفلسطيني طليعة التحرير، لأنَّ أخطار إسرائيل تجاوزت فلسطين وشعب فلسطين، وامتدت لتشمل الوطن العربي بأسره وبقية بلدان الشرق الأوسط لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
جسَّد تأسيس منظمة التحريرإنجازاً كبيراً ومكسباً عظيماً للشعب العربي الفلسطيني ولنضاله من أجل التحريروالعودة بالمقاومة المسلَّحة والإقراربوجود شخصيته وكيانه الوطني وحقوقه الوطنية والإنسانية ومنها استعادة أراضيه وممتلكاته ومياهه وثرواته المغتصبة وحقه في الحياة والتنمية والتقدم وليس كغطاءلتمرير الحل الاسرائيلي للقضية.
أجمع الشعب والأمة على تأييد منظمة التحريروالالتفاف حولها، إلا أنَّ ذلك لم يمنع من ظهوربعض التفاوت في الموقف منها.
نظرت فتح لمنظمة التحريرفي المراحل الأولى من تأسيسها بالكثيرمن الشك والريبة وعدم الحماس لها , وانتقدت مواقفها وممارساتها، وتخوَّفت كثيراً من منافسة المنظمة لها في الساحات الفلسطينية والعربية والدولية ، نظراً لعلاقة المؤسِّس الشقيري الوثيقة بالقائد جمال عبد الناصر.
واعترف الشقيري أنَّه لولامصروالرئيس جمال عبد الناصربالذات لما قامت منظمة التحريرالفلسطينية لذلك كانت علاقات منظمة التحرير قويِّة مع مصر، مما آثارحفيظة السعودية واتَّهمت بعض الأوساط العربية القائد العربي جمال عبد الناصربأنَّه أراد التخلّي عن قضية فلسطين، لذلك أوعزلتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية كي تصبح الأداة في يده تعمل وفق توجهاته وأنا شخصياً لاأشاركهم هذا الرأي على الإطلاق وإنَّما أطلقوه بسبب الخلافات السياسية العربية ـ العربية.
كان المؤسس الشقيري يقول دائماً: ” إنَّ تأييد القاهرة لمنظمة التحريرهو عندي أثمن من بقائي رئيساً لها ” وبالفعل لولا تأييد القائد جمال عبد الناصر للمنظمة لما استطاعت أنْ تستمروتكبروتقوى ويجمع الشعب والأمة على تأييدها.
دخلت فتح في منافسة مع منظمة التحريربالإسراع في تنفيذ عمليات فدائية كي تكسب تأييد الجماهيرالفلسطينية والعربية. وواجهت الشقيري وقيادته وبعض الأطراف الأخرى مسلَّحة بشعبيتها الفلسطينية جرَّاء قيامها بالعمليات الفدائية.
قدّمت سورية المساعدة والدعم الكاملين لحركة فتح للقيام بالمقاومة المسلحة منذ انطلاقها في 1/1/1965. واعترفت دمشق بمنظمة التحريروفتحت لها مكتباً في العاصمة السورية ، ودعمت جيش التحريرالفلسطيني وانطلقت المقاومة الفلسطينية المعاصرة من العاصمة السورية دمشق.
وأعلنت فتح وبقية الفصائل الفلسطينية استراتيجيتها النضالية القائمة على تحريرفلسطين من النهرإلى البحر، ومن رأس الناقورة حتى رفح، وأكَّدت الفصائل ومنظمة التحريرأنَّ الهدف الاستراتيجي: تحريرالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948وعودة اللاجئين إلى ديارهم وإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية في كل فلسطين التاريخية لكل مواطنيها بحيث يتساوون بالحقوق والواجبات وبدون استعماراستيطاني وعنصرية وتميزعنصري.
وامتدت حملة انتقاد الشقيري إلى الهيئة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني، حيث قدمت الهيئة مذكرة للجامعة العربية في السادس من أيلول عام1966 اتهمت فيها الشقيري بالدكتاتورية وبالعبث والتبعية والزجِّ في النزاعات والخلافات العربية.
حاول الشقيري مراعاة حساسية المملكة الأردنية من الكيان الفلسطيني المزمع إقامته بسبب ضم الأردن للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية والتي كانت العاصمة الثانية للمملكة وبسبب عدد الفلسطينيين الكبيرفي الأردن.
وكانت العلاقات بين رئيس منظمة التحريرالفلسطينية والمملكة الأردنية تتحسَّن أحياناً وتسوء أحياناً أخرى. وكان الشقيري قد حدَّد في مؤتمرالقمة العربية الثاني في الإسكندرية عام1964 طبيعة الكيان الفلسطيني وعلاقته بالأردن قائلاً:
” أريد أن يكون واضحاً لسيدنا (الملك حسين) أن الكيان الفلسطيني ليس حكومة ، ولايمارس سيادةً ولا يهدف إلى سلخ الضفة الغربية عن الكيان الأردني عسكرياً وسياسياً وإعلامياً في معركة فلسطين” .
وعبَّرالشقيري في مذكراته عن علاقاته مع الدول العربية أصدق تعبيرحيث كتب يقول: ” قضيت أيامي وأعوامي في منظمة التحرير وفي عنقي ثلاثة عشرحبلاً (عدد الحكام العرب آنذاك 13) يمسكها ثلاثة عشرملكاً ورئيساً” .
أعطت سورية النضال الفلسطيني السياسي والعسكري والإعلامي وبشكل خاص منظمة التحريروجيش التحريرالفلسطيني وحركة فتح وبقية فصائل المقاومة بما فيها حماس والجهاد الإسلامي دعماً وتأييداً كاملين حتى اليوم.
وجَّهت حركة فتح بعد حرب حزيران العدوانية عام1967 مذكرةً في 9/12/1967 إلى مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية طالبت فيها باتخاذ الإجراءات الكفيلة لسد أبواب أجهزة الإعلام العربية في وجه الشقيري وظهرت اتجاهات عربية وصهيونية حمَّلت الشقيري المسؤولية عن اندلاع الحرب ونتائجها الكارثية.
وأصدرت فتح وبعض المنظمات والاتحادات الفلسطينية بيانات طالبت فيها الشقيري بالاستقالة ورفع سبعة أعضاء من أعضاء اللجنة التنفيذية مذكرةً إلى الشقيري طالبوه فيها بالاستقالة.
واستجاب الشقيري وقدَّم استقالته للشعب الفلسطيني بتاريخ 24/12/1967، واستقالة أخرى للأمين العام للجامعة العربية .
وهكذا تمكَّنت القوى المناوئة للشقيري التخلَّص منه بعد الحرب العدوانية التي أشعلتها إسرائيل لسببين:
الأول: اتجاه عربي حمَّله مسؤولية هزيمة الخامس من حزيران وإعطاء الضوء الأخضر للتخلُّص منه.
والثاني: اتجاه فلسطيني بذريعة فرديته وتسلطه على منظمة التحريرورغبة قيادة فتح التخلّص منه والاستيلاء على المنظمة ومؤسساتها وأموالها.
تضمَّن الميثاق القومي توجهات الشعب والأمة لتحريرفلسطين، ووضع مسؤولية التحريرعلى عاتق الأمة شريطة أن يكون الشعب الفلسطيني طليعة التحرير.
وجسَّد تأسيس منظمة التحريرإنجازاً كبيراً ومكسباً عظيماً للشعب الفلسطيني من أجل التحريروعودة اللاجئين بالمقاومة المسلحة. وأجهض توقيع إتفاق الاذعان في اوسلوالمكاسب التي حققتها المنظمة.
وكان الهدف الاستراتيجي للمنظمة تحرير فلسطين وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الديمقراطية (من رأس الناقورة مروراً بأم الرشراش حتى رفح ومن النهر حتى البحر) في كل فلسطين التاريخية.