*الثابت والمتواطئ*
بقلم: أحمد الشهال
*من انتصار الدم على السيف… إلى انتصار الحرّ على القيد.*
قبل واحد وأربعين عامًا، حين اعتُقل المناضل الحرّ جورج عبد الله، انبرى حُرّاس “الواقعية السياسية” وأبواق “الشرعية الدولية” لوصمه بالمغامر، بل نعتوا نهجه باليسار الطفولي. لم يدركوا – أو تواطأوا في تجاهل – أن ما بدا لهم “اندفاعًا متهورًا”، لم يكن إلا قراءة ثورية علمية لطبيعة الصراع: صراع مع كيان استيطاني اقتلاعي، لا تسوية معه ولا تعايش.
في ذلك الزمن، سارعوا إلى تبنّي برنامج النقاط العشر الخياني. لا لأنهم رأوا فيه مصلحة وطنية، بل لأنه شكّل جواز مرورهم إلى قاعات الأمم المتحدة… مدخلهم إلى التصفيق الدبلوماسي، ومقاعد المفاوضات، وصفقات “الواقعية الجديدة” التي لم تعنِ سوى الاستسلام المقنّع بـ”العقلانية”.
وهكذا، تدحرجوا من النقاط العشر إلى أوسلو، ومن كامب ديفيد إلى وادي عربة، ومن “حلّ الدولتين” إلى التنسيق الأمني، بينما كانت آلة الاستيطان لا تتوقّف، وجيش الاحتلال يحفر في لحم الشعب الفلسطيني خنادق الفناء اليومي.
*لكن من المغامر حقًا؟*
أهو الرافض للتسوية بكل كلفتها؟
أم أولئك الذين غامروا بمصير شعوبهم ودولهم وأمّتهم، من أجل قاعة تفاوض أو تصفيقة في الأمم المتحدة؟
لقد أُطلقت تهمة “المغامرة” على كل من رفض الاستسلام للعدو الصهيوني، بينما كان جماعة التسوية أنفسهم هم من ارتكبوا المغامرة الحقيقية: مقامرة كبرى بمصير القضية، وبدماء الشهداء، وبحق الأجيال في التحرّر.
تحمّل رافضو التسوية، على قلّتهم، مقارعة الأعداء والأصدقاء والمحيط الشعبي المأزوم. قاوموا وحدهم أحيانًا، ومع الشعوب أحيانًا أخرى، لكن الأيام والوقائع أثبتت صدق فهمهم، ونقاء موقفهم، وتفانيهم في سبيل أمّتهم.
أما اليوم؟
أين هم “أصدقاء” الكيان الصهيوني، من أنظمة التطبيع والخضوع والارتهان، من المجازر اليومية، والإبادة، والتجويع الذي يجري في غزة على مرأى العالم؟
أين شفاعاتهم “الدبلوماسية”؟ أين موقعهم من دماء الأطفال والمقابر الجماعية في رفح ودير البلح وخان يونس؟
لا شيء. لا شفاعة تنفع، ولا مواقف تُنقذ.
لأن أكثرهم شريك في الحرب والحصار، وأقلّهم مغلوب على أمره، متشبّث بكرسيّه، يظن أن السكوت نجاة، وأن الخضوع للإمبريالية والصهيونية والرجعية يوفّر له حماية في قصره المحصّن…
*أما كرسيّه؟*
فهشّ كأخلاقه، يتأرجح على دماء شعبه، ومربوط بحبل عند السفارة الأميركية.
في المقابل، *جورج عبد الله…* ثابت على نهجه.
متسلّح بمحبة شعبه، الذي رآه نموذجًا ثوريًا فريدًا.
لم يساوم، لم يساير، لم يُبَع، ولم يُشترَ.
كان يرى، منذ البدء، أن الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد الواقعي والعقلاني، لأن الكيان الصهيوني ليس “جارًا صعبًا”، بل مشروع استعماري وظيفي، وامتداد عضوي للهيمنة الإمبريالية في المنطقة.
*بالعربي الفصيح:*
من راهن على البندقية، أثبت التاريخ صواب خياره.
ومن راهن على العدو، لم يحصد سوى الذلّ والعار.
وفي زمن المجازر… لا يكفي تحرير الأسرى.
بل لا بدّ من تحرير القضيّة، من كل من ربط مصير أمّته بجزمة الاحتلال.