اغتيال الصحافة في غزة.. مذبحة الحقيقة
أنس الشريف في وصيته: لم أتوان عن نقل الحقيقة وأموت ثابتا على المبدأ
“إن وصلتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي، ويعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي انقل الحقيقة بلا تزوير أو تحريف”.
وأوصى الشريف في وصيته بفلسطين، واصفًا إياها بـ”درة تاج المسلمين” ونبض قلب كل حر، داعيا إلى الوفاء لأهلها وأطفالها الذين لم يمهلهم العمر للحلم أو العيش في أمان بعدما مزقت أجسادهم القنابل والصواريخ الإسرائيلية”.
وخص الشريف أهله بوصايا، فذكر ابنته شام التي حلم برؤيتها تكبر، وابنه صلاح الذي تمنى أن يكون له سندا، ووالدته التي كانت دعواتها حصنه ونور دربه، وزوجته التي واجهت الحرب بثبات الزيتون وصبره.
وختم وصيته بإقرار راضٍ بقضاء الله ثابتا على المبدأ حتى آخر لحظة، داعيا أن يكون دمه نورا يضيء درب الحرية لشعبه، ومؤكدا أنه مضى على العهد دون تغيير أو تبديل.
يأتي نشر وصية الصحفي الفلسطيني مراسل قناة “الجزيرة” الشهيد انس الشريف ، بعد ساعات من استهداف جيش الاحتلال الصهيوني في وقت متأخر من مساء أمس الأحد خيمة الصحفيين بجوار مجمع الشفاء الطبي في غزة، مما أدى إلى استشهاد أنس الشريف وزميله محمد قريقع و4 مصورين آخرين، في جريمة أثارت موجة تنديد فلسطينية ودولية.
وصية الشريف، التي نشرت بعد استشهاده، كشفت عن رسالة أخيرة تجسد إيمانه بقضيته وثباته على مبدأ نقل الحقيقة مهما كان الثمن مؤكدا أنه لم يتوان يوما عن نقل الحقيقة بلا تزوير أو تحريف رغم معايشته الألم والفقد بشكل متكرر.
وجاء اغتيال الشريف بعد حملة تحريض إسرائيلية واسعة عليه، أذ قر جيش الاحتلال باستهدافه، وكان الشريف من الصحفيين القلائل الذين بقوا في شمالي القطاع لنقل فصول العدوان وحرب التجويع.
لا شك أن هذا الاغتيال يمثل جريمة حرب متعمدة ورسالة ترهيب للصحفيين تمهيدًا لمجازر جديدة، و يشير إلى محاولة متعمدة من جانب العدو الصهيوني للحد من تدفق المعلومات من وإلى غزة ومنع التغطية الإعلامية لأثر هجماته وحرمانه للمساعدات الإنسانية في ظل صمت دولي مشجعا للاحتلال على مواصلة جرائمه. إذ يعمل الصحفيون كحلقة وصل بين المجتمع المحلي والعالم الخارجي فيقومون بتوثيق الحقائق ونقلها بشكل دقيق من خلال تقاريرهم ويساهمون في رفع الوعي حول الأوضاع الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة.
إن الاعتداءات على الصحفيين في غزة تعكس سلسلة من الأبعاد السياسية المعقدة، فالهجمات تتجاوز كونها اعتداءات فردية، وتمثل جزءًا من سياسة قمع حرية التعبير. وغزة تحمل رسالة قوية إلى العالم تتمثل في أهمية الحق والحقيقة، ويعبر أبناء الشعب في غزة عن تصميمهم على الاستمرار في نقل الأحداث، معتبرين أن كل فرد هو ناشط وصحفي بالفطرة.
وبذلك يرتفع عدد الشهداء من الصحفيين على يد الاحتلال الصهيوني إلى 237 شهيدا بحسب المكتب الاعلامي الحكومي في غزة.
قالت مديرة إقليمية للجنة حماية الصحفيين “إن إسرائيل دأبت على وصف الصحفيين بالإرهابيين دون تقديم أدلة موثوقة . وإن نهج إسرائيل تجاه الصحفيين يثير أسئلة عن نيتها واحترامها لحرية الصحافة”.
وأضافت المديرة للجنة حماية الصحفيين قائلة “الصحفيون مدنيون ويجب عدم استهدافهم وندعو لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم وأن الإفلات من العقاب وعدم المحاسبة يؤمن لإسرائيل تماديها ويشجعها على مزيد من البطش بحق شهود الحقيقة”.
إن الحقيقة تلعب دورا محوريا في تشكيل الرواية الفلسطينية، مما يجعل الدفاع عن حرية الصحافة أمرا ملحا. فأين هم أصحاب القرار حول العالم من هذا الأمر ؟
عبدالله الحسين
نابلس : فلسطين المحتلة
